بين الذكورية والنسوية التغيرات الاجتماعية نحو علاقات ناضجة

يتعمق هذا المقال في الجوانب الإجتماعية و النفسية العميقة للخلاف الحالي بين النساء والرجال في تحديد الأدوار في العلاقات وماهي الإمتيازات التي يجب أن يحصل عليها كل من الرجل والمرأة.

بين الذكورية والنسوية التغيرات الاجتماعية نحو علاقات ناضجة
ماهو دور الرجل ودور المرأة في العلاقة الزوجية الحديثة؟


تدور اليوم وخصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي نقاشات حادة بين دعاة الذكورية والنسوية في تحديد دور الرجل والمرأة في مجتمعنا. ويلاحظ المتأمل في هذه النقاشات أن كلا الفئتين يطالب بالامتيازات القديمة التي كان يتمتع بها جنسه كما كانت بدون نقصان مع الحصول على الامتيازات الجديدة معها أيضا، فتركز النسوية على دور الرجل في الإنفاق وعدم أحقيته بمشاركة المرأة في الشؤون الاقتصادية للأسرة ويركز دعاة الذكورية على وجوب منعها من العمل في حال رفضها للمساهمة الاقتصادية للأسرة. ويتبع ذلك نقاش متنوع عن الامتيازات القديمة التي تمتع بها الجيل السابق من النساء والرجال من السيطرة على حرية المرآة إلى تحويل الرجل إلى عامل متفاني بكل ما لديه لأجل أسرته بدون أي من حقوق السيطرة التي كانت لديه قديما.

لا شك أن المؤثر الأكبر لدى الفئتين هو التغذية الثقافية المسيطرة سابقاً والتي تتحكم لا شعوريا في العواطف والأفعال. ومن جانب نفسي عميق حينما لا تعلم ماذا يؤثر على تفكيرك وقراراتك وتصرفاتك ويدفعك على التفكير والتصرف بطريقة معينة تزيد من صعوبة المواقف التي تضع نفسك بها والمعاناة التي تعيقك عن التطور والنمو.

إن الثقافة المجتمعية في أي مكان في العالم تصمم لتقلل من الاحتياجات الفردية وتركز على فائدة المجتمع عبر تقليل الإيمان بالذات والقدرة على التكيف مع الأفكار الجديدة التي تتعارض مع الثقافة المجتمعية. ولكن ماذا لو تغيرت الثقافة المجتمعية فجأة وبدأ المجتمع ينتقل للثقافة الجديدة بسرعة لأنها توفر فرص ومميزات أفضل مع القبول الاجتماعي لها؟

في هذه الحالة يعلق الكثير من الناس بين التمسك بالثقافة القديمة مع الرغبة بالاستفادة من المميزات التي توفرها الثقافة الجديدة. وحينما تتعارض الثقافتين يرغب الأغلبية بالتمسك بالمميزات في الثقافتين بدلا من تبني ثقافة واحدة والإخلاص لها. وهنا تكمن المشكلة في مجتمعنا الذي لم يمر بتغيرات ثقافية كبيرة من قبل خصوصا في العلاقة بين الرجل والمرأة.

في عمر صغير جدا بدء من 5 أعوام يبدأ الإنسان في تشرب الثقافة المحيطة ويحدد بها ما يمكن أن يحصل عليه وما هو مسموح له وما هو ممنوع عنه وخلال وقت قصير تبني هذه الثقافة حواجزها في العقل الواعي والباطن بشكل قوي. ونعيش بقية حياتنا في حدود الإطار الذي صنعته هذه الثقافة نستمتع بمميزاتها ونخشى حدودها. ويصبح من الصعب على الفرد أن يغير نظرته لنفسه ولحقوقه وحدوده وتبقى رهبة كسر الحدود التي وضعتها الثقافة القديمة مرعبة حتى وإن أزالتها الثقافة الجديدة تماماً لأنها أصبحت جزء من تكويننا وبنيتنا وهويتنا وستبقى تعمل في العقل الباطن وتحدد المسارات السليمة اجتماعيا لقراراتنا.

هذه العملية اللاواعية تشبه أن تسلك الطريق الذي تعودت عليه للعودة للمنزل حتى لو كنت تريد الذهاب لمكان آخر أو فتح الجوال لا شعوريا والدخول على أحد وسائل التواصل الاجتماعي فيما كنت ترغب بالدخول على الحساب البنكي، إنها عادات تسربت للعقل اللاواعي ولذلك نستخدم مصطلح العادات والتقاليد التي نحرص على تكرارها حتى لو لم نفهم سبب وجودها أو استمرار الحاجة لوجودها.

ولان البشر مجبولين على التفاعل بشكل لا واعي مع البيئة والثقافة فإن الخروج من هذه الدوامة يتطلب جهد فكري موجه ومقصود للتفكير خارج الصندوق وخارج ما وجدنا عليه الحياة خلال فترة نمونا. يقول العالم اينشتاين التفكير الذي جعلني أصل لما وصلت إليه اليوم سبب لي مشاكل لا يمكن لنفس طريقة التفكير حلها. لذلك يجب أن نواجه هذه التحديات الجديدة بفكر أكثر انفتاحا ونقاشات أعمق توضح التشابك الحاصل والخيارات الجديد مقارنة بالقديمة والطرق المنطقية لدمجها.

وفي الغالب سيكون هناك مسارين رئيسية إما تبني الثقافة الجديدة بشكل كامل وتحمل مسؤولياتها والاستفادة من مميزاتها أو البقاء في الثقافة القديمة بشكل كامل وتحمل مسؤولياتها والاستفادة من مميزاتها. وهنا تأتي النصيحة الأخيرة هذا الخلاف الثقافي يتطلب البحث عن شريك متوافق في التوجه والثقافة التي نتبناها بشكل كامل. فإن كنت ترغب بشدة بالثقافة الجديدة فيجب أن لا تطالب بأي من مميزات الثقافة القديمة والعكس.

قد ينتج في المستقبل مسارات آخرى أكثر اتزانا تجمع بين الثقافتين أو حتى تضم جزء من ثقافة جديدة ولكن هذا النوع يأخذ وقت أطول للنضج والتحول لثقافة سائدة.

وأخيرا، لنضع الخلاف جانبا ونركز على ماذا نريد ومن نكون وماهي الثقافة التي تعطينا الأمان والراحة ونستمر بها وسنجد أشخاص مثلنا بالتأكيد.